عمرها 61 عاما.. زلزال ترامب يضرب الجماعة الإسلامية الإخوانية في لبنان: «قوات الفجر» تحت المجهر الأمريكي
أعاد القرار التنفيذي الذي وقّعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتصنيف بعض فروع جماعة الإخوان كـ«منظمات إرهابية أجنبية» إشعال التوتر داخل الجماعة الإسلامية في لبنان، الفرع المحلي للإخوان، واضعًا ما يُعرف بـ«قوات الفجر» تحت مجهر دولي غير مسبوق، ومهددًا مستقبل نفوذ الجماعة وتحالفاتها الإقليمية.
القرار الأمريكي، رغم أنه لم يتضمن إجراءات فورية، إلا أنه كلّف مؤسسات الأمن القومي والخارجية بإعداد تقرير شامل وتقديم توصيات لاتخاذ «جميع الإجراءات المناسبة» بحق فروع الإخوان في مصر ولبنان والأردن. وفي لبنان تحديدًا، كان وقع القرار أشبه بصفارة إنذار داخل الجماعة، التي سارعت إلى عقد اجتماعات داخلية مغلقة لتقييم المخاطر المحتملة على تمويلها، وجناحها السياسي، ونشاطها العسكري عبر «قوات الفجر».
ورغم أن لبنان ليس من الدول التي تتفاعل رسميًا بسرعة مع التصنيفات الأمريكية، فإن تداعيات القرار على الساحة الداخلية بدت واضحة، خصوصًا في ملف التحالفات بين الجماعة وحزب الله، وما يرتبط به من تنسيق عملاني على الحدود الجنوبية.
تأسست الجماعة الإسلامية في لبنان عام 1964 كامتداد مباشر لتنظيم الإخوان الدولي. وعلى مدار عقود، ظلت نسخة لبنانية من الإخوان فكريًا وتنظيميًا، دون أن تنجح في ترسيخ حضور قوي في الحياة السياسية. يمثلها اليوم نائب واحد فقط بين 27 نائبًا سنّيًا في مجلس النواب، لكنها تحافظ على تواجد شعبي في بعض القرى والمناطق السنية المتاخمة للحدود السورية والفلسطينية.
ومع الأزمة الاقتصادية اللبنانية العميقة وتراجع دور تيار المستقبل في الشارع السني، حصلت الجماعة على مساحة مناورة أكبر، قبل أن يأتي القرار الأمريكي ليهدد هذا الهامش، ويعيد خلط أوراقها السياسية والتنظيمية.
أحد أخطر النقاط التي أثارها القرار الأمريكي تتعلق بتحالف الجماعة الوثيق مع حزب الله، خاصة بعد انتخابات 2022 الداخلية التي جاءت بقيادة أقرب إلى حماس وإلى خط «محور المقاومة» المدعوم إيرانيًا.
هذا التحالف لم يعد سرًا؛ إذ أكد الأمين العام للجماعة الإسلامية محمد طقوش، في مقابلات صحفية، أن جماعته تنسّق ميدانيًا مع حزب الله في عمليات عسكرية ضد إسرائيل، وأن جزءًا من الهجمات تم بالتنسيق مع حركة حماس.
وقال طقوش حرفيًا إن «التعاون مع حركة مثل حماس شرف»، في إشارة إلى عمق الارتباط الإيديولوجي والعسكري بين الجانبين، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة مؤشرًا مباشرًا على علاقة الجماعة بمحور إقليمي مصنّف على لوائح الإرهاب الأمريكية.
القرار الأمريكي يضع الضوء على «قوات الفجر»، الذراع المسلحة للجماعة الإسلامية، والتي تُقدر بنحو 500 مقاتل، شاركوا خلال السنوات الأخيرة في هجمات ضد أهداف إسرائيلية ضمن تنسيق مباشر مع حزب الله.
بدأت إعادة إحياء «قوات الفجر» بشكل علني في 18 أكتوبر 2023، عندما أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن إطلاق قذائف باتجاه مناطق مثل كريات شمونة، ردًا على غارات إسرائيلية استهدفت جنوب لبنان. ومنذ ذلك التاريخ، ظهرت بيانات متعددة تشير إلى نشاط عملاني منسق مع حزب الله وحماس.
هذه الأنشطة دفعت دوائر أمريكية إلى النظر للجماعة باعتبارها جزءًا من منظومة عسكرية محلية تابعة بشكل غير مباشر لإيران، ما يجعل إدراجها ضمن تصنيف إرهابي مسألة وقت، بحسب تقديرات مراكز أبحاث أمريكية.
تدرك قيادات الإخوان في لبنان أن أي تصنيف أمريكي رسمي سيصيب الجماعة في مقتل باعتباره سيُقيّد حركة أفرادها وتمويلها، وسيجعل المصارف اللبنانية أكثر تشددًا في التعامل مع حساباتها، وسيدفع الحكومة اللبنانية للتعامل معها كعامل تهديد أمني، لا كحزب سياسي، وسيُعقّد علاقتها بحزب الله الذي يواجه أصلًا عقوبات واسعة.
لذلك بدأت قيادات الجماعة حملة إعلامية تهدف إلى تقديم «قوات الفجر» كتنظيم محلي مقاوم، لا كجناح تابع للإخوان، في محاولة للالتفاف على التصنيف الأمريكي المحتمل. غير أن هذه الرواية تبدو ضعيفة أمام تصريحات قياداتهم نفسها، التي تؤكد التزامًا تنظيميًا وفكريًا بخط الإخوان العالمي، وبعلاقة استراتيجية مع حماس.
مصادر لبنانية مطلعة تحدثت لوسائل إعلام عربية عن حالة «قلق شديد» ضربت الصف الأول للجماعة عقب إعلان ترامب، وطلبت الجماعة من كوادرها خفض النشاط العلني، وتقليص الظهور الإعلامي، وإعادة تقييم شبكات التمويل القادمة من تركيا وقطر.
كما أشارت المصادر إلى أن الجماعة تعمل على تقسيم نشاطها إلى مسارين، سياسي علني يروج لفكرة أنها حزب محلي مستقل، عسكري سري يواصل التنسيق مع حزب الله، ولكن بصورة أقل صخبًا.
يأتي القرار الأمريكي في لحظة حساسة للبنان، وسط فراغ رئاسي وصراع مفتوح على هوية الدولة ودورها في الإقليم. ومع زيادة توتر الحدود الجنوبية بعد حرب غزة، يصبح أي ضغط أمريكي على الجماعات المسلحة الحليفة لحزب الله جزءًا من محاولة جديدة لتقليص نفوذ إيران في لبنان.
وفي هذا السياق، فإن الجماعة الإسلامية تبدو الحلقة الأضعف في «محور المقاومة»، ما يجعلها هدفًا سهلاً لواشنطن مقارنة بحزب الله المصنف إرهابيًا أصلًا.
قرار ترامب لم يكن مجرد إجراء إداري؛ بل كان بمثابة زلزال سياسي ضرب الجماعة الإسلامية في لبنان، وأعاد كشف ارتباطها الوثيق بالإخوان، وبحماس، وبمنظومة حزب الله العسكرية. ومع استمرار الضغوط الأمريكية والإقليمية، تبدو «قوات الفجر» في مواجهة مباشرة مع احتمال تصنيف رسمي سيقوّض قدرتها على العمل، ويهدد الجماعة بالكامل بالانكماش وربما التفكك.
الجماعة اليوم أمام مفترق طرق: إما إعادة التموضع سياسيًا بعيدًا عن الإخوان ومحور إيران، أو مواجهة مرحلة جديدة من العزلة والعقوبات التي ستجعل «مناورة الفجر» آخر مغامراتها العسكرية.



